- يارب ياكريم ألهمهم الرحمة .. فإذا حبسونا يكون بشروطنا!
- دخل شيخ العرب وزارة الداخلية وخرج منها ناسيًا وعده لي بتحسين ظروف العمل في الأقسام والسجون!
- رجوته تحسين أساليب الاستقبال في الأقسام وظروف الاعتقال ..أم المفارقات أنني أول من عاقبه لممارسة حقي في الكتابة بطريقتي الخاصة!
- حاورته وكتبت مانشيت على لسانه: اسرائيل لن ترسل لنا زهور البانسيه فمنعني ورجاله من دخول الوزارة!
- الاعتقال على مر الزمن هو أهون الإجراءات.. مابعده هو المخيف والمرعب بداية من البرش إلى الضرب على القفا!
- سلخانات التعذيب عرفت في مصر على مر العصور من الأمويين والعباسيين إلى الانجليز والفرنسيين وبعض سطور يوليو مكتوبة بالدم والنار!
- منذ ثورة يوليو والسجون عامرة بثقافة وفنون القمع.. بعضهم يمارسونها من كتابهم الخاص حتى من دون توجيهات!
- حبيب العادلي ابتكر تعذيبًا جماعيًا للشعب، عندما جعله هو والشرطة في خدمة القانون!
- عندنا أرحم بكثير من النازيين والهتلريين والسوفيات .. لم نعرف جملة الضرب في المليان إلا من لسان "زكي بذاءات"!
- أعطوا مالله لله وما لقيصر لقيصر.. الدواء والعلاج والكتاب والتلفاز حقوق أصيلة وتحسين طبيعة الاحتجاز داخل السجون أمر تفرضه الإنسانية والرحمة .
- الرئيس السيسي استجاب لتوصيات الحوار الوطني ووجه باحترام حقوق السجناء وتعديل قوانين الحبس الاحتياطي بحيث لا تتحول لعقوبة.. نرجو ألا تعاق لتوجيهاته؟
- التسلط خارج السجن وداخله.. الأول هدفه " إضرب المربوط يخاف السايب"، والثاني لسان حاله يقول "شرفت ياروح ماما .. استلقى وعدك بقا"!!
دخل الوزارة وخرج منها من دون أن ينفذ الوعد الذي تعهد لي به! رحم الله وزير الداخلية السابق (وكان برتبة شيخ عرب!) عبد الحليم موسى.
وعود مشايخ العرب لايمكن التنصل منها، فإذا طلب منه أمر وتعهد بتنفيذه فلا شيء يمكن أن يوقفه، وإلا صارت نقيصة في تاريخه!
على موائد فصائل اليسار المصري المتنوعة التي ترددنا عليها في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينات - لاسيما عندما تأسس حزب التجمع بزعامة خالد محيي الدين - عرفنا أن الاعتقال فقط - كاعتقال - هو أهون إجراء تتخذه المباحث ضد المعارضين أو ممارسي العمل السياسي. كنا قرأنا أيضا كثيرا من الكتب والمذكرات - وشاهدنا أفلامًا مصرية (وعالمية فيما بعد) - تكشف عن الأوضاع المزرية التي يتعرض لها السجناء، للدرجة التي كنا نخشي فيها من الاعتقال، وإن لم نقاوم في الوقت نفسه رغبتنا في التعبير عن انفسنا، والنضال من أجل غد أفضل لشعبنا الذي نفخر بحضارته.
معادلة صعبة بدت مستحيلة أحيانًا، فالمعتقلون كانوا كثرَ على مر العصور. سلخانات التعذيب عرفت في عصور الأمويين والعباسيين والمماليك والعثمانيين وفي العصر الملكي وأثناء الاحتلال - فرنسي أو إنجليزي - لمصر. ومنذ ثورة يوليو ٥٢ لاتزال السجون عامرة بكل فنون القمع. ثقافة عريقة جدًا، لذلك فإن بعض من يتولون هذه الأمور يمارسونها من كتابهم الخاص.. وبطريقتهم الخاصة، حتى من دون توجيهات من هم أعلى منهم، مدفوعين بفكرة أن تهذيب السجين وإصلاحه وتخليه عن معارضته هو هدف أسمى؟!
احمد فؤاد نجم والشيخ إمام والأبنودي وفؤاد حداد وسمير عبد الباقي شعراء لمعوا في بروزة أوضاع الاعتقال المزرية، وصاغوا منها أشعارًا خالدة. تحتقر السجان وتكره الاعتقال وتحب الزنازين وتتغني بها، لكونها تعج بنزلاء يقتسمون معًا مرارة الحبس والهم..كما يتقاسمون اللقمة والسيجارة والدمعة والضحكة.
بتوقيع سمير عبد الباقي :
// سبعين سنة هم وسجن وغلب / وماوعيتش بمقالبهم
// السجن كان مدرسة / والموت حقيقة واختبار شعري
(من ديوان رباعيات وربع / تخاريف خريف العمر)
السجن موال كبير، لماذا حين يمد "المباحثي" بصره على حرية شخص ما لكي يوقفها.. لايتوقف عن مد يده الطولي أكثر وأكثر، فيبطش ويعنف ويهزيء ويسب ويلعن ويضرب ويقسو "وفين يوجعك" و.. يابن الـ….؟! يتصاعد الغضب وفي غيبة أي رادع من الضمير إلى القانون، يُفَضِل ألا تكون يده مغلولة أبدًا، حتى انه يبسطها كل البسط ، ورغم هذا هو نفسه لا يرضي أو يكتفي، بل يظل ناقمًا جدًا، لأنه لا يملك غير إرهاب القمع والنعيلة! يريد لضربته قوة باطشة فعلًا.. سعادته أن يري أصابع الكف مِعـلِمة على القفا أو الوجه، وياسلام لو أنه خبط على الصدر فيخرج القلب والمصارين متدليان على بطنه، فلما لا يحدث هذا يشعر بأنها خبطة خائبة، ويضيق صدره ويزمجر قرفتونا "ياولاد الـ…."!
كل الناس تعرف أحوال السجون، وكل الناس تخشى دخولها، ولذلك انتهزت فرصة أتيحت لي - بأن أكون صاحب أول حوار يتم اجراؤه مع الوزير الجديد شيخ العرب عبد الحليم موسى، وكنت تنبأت له بأنه سيكون وزير الداخلية المقبل (١٩٩٢)، واشترطت عليه أنه إذا تحققت نبوءتي أن يخصني بأول حوار يجرى معه - لأسأله عن وعده الذي وعدني به وهل سيفي به أم لا؟ كنت سألته وهو محافظ لأسيوط: هل تتابع ما يتعرض له الناس في أقسام الشرطة - إذا دخلوها مواطنين لا متهمين لقضاء مصالحهم - من معاملة مرعبة؟ وهل لديك فكره عما يلقاه المعتقلون من إهانات وبشاعات تعد ولا تحصي؟ وهل نأمل عندما تتولى الوزارة أن تقوم بتغيير هذه الأوضاع المريعة، فيدخل المواطنون العاديون إلى الأقسام طلبًا لرد مظالم أو نيلًا لحقوق لهم او ماشابه ذلك وهم مطمئنون وحقوقهم القانونية مكفولة وذواتهم مصونة ولا تمس؟ وهل يحظى معتقلو الرأي بمعاملة عادية إنسانية تكفل لهم عدم المس بكرامتهم فلا يعذبوا أو يكدروا أو يعاقبوا بسجن انفرادي بلا تهوية ولا تدخله شمس أو ينيره قمر، وينامون على البرش محتضنين جرادل تصريف الإخراج؟
وعد عبد الحليم موسي - ضمنا - في الحوار بأن كل مواطن سيأخذ حقه بالقانون، وأم المفارقات ان أول من تعرض للاعتداء من جانبه - وربما من رجال وزارته كان أنا! الإعتداء كان على حقي في طريقتي لكتابة حديثي معه كما جرت وقائعه! لقد اتخذوا موقفًا نهائيًا منذ اليوم الثاني لنشر الحديث في جريدة الأنباء الكويتية بمنعي من دخول الوزارة، فلم أعد قادرًا على الوصول إلى ماهو أبعد من سويتش مكتبه أو تجاوز عتبات كشك الاستقبال في مدخل الوزارة! كل هذا لأن المانشيت الرئيس كان بعنوان وزير الداخليه المصري لـ الأنباء: إسرائيل لن ترسل لنا زهور البانسيه. حملت أجهزة التيكرز وقتها هذا العنوان إلى كل مكان، فانقلبت الدنيا وهاج مبارك ووبّخ الوزير. كان إجابته عن سؤال لي حول ماتردد عن شيوع ظاهرة توزيع الورود على طلبة المدارس وهي غرقانة بالهيروين، وتردد أن الموساد وراء الفعلة الشنيعة! انزعج المجتمع المصري كله من بشاعة الجريمة، فسألته عن مدى صحتها، فأجاب الرجل بحسم: لانتوقع أن ترسل لنا إسرائيل بزهور البانسيه! بربكم هل هذا مانشيت يمكن تفويته أو تجاهله؟
لم يف عبد الحليم موسي بوعده، ولم يفكر لا هو ولا غيره في تحسين ظروف تعامل أقسام الشرطة مع المواطنين، ولم يحاولوا بحث مدى ملاءمتها لخدمة الشعب، بل جاد الزمن برجل كحبيب العادلي وزير داخلية مبارك الذي غير المعادلة بما يتناسب مع فاشستيته، هو واللواء حسن عبد الرحمن مدير مباحث أمن الدولة سابقًا، حيث قرر العادلى ان يكون الشعب والشرطة في خدمة القانون، بدلا من أن تكون الشرطة أصلا في خدمة الشعب! وكان طبيعيا ان ينفجر رأس ضحايا حبيب، وأن يختفي صحفيون من الوجود، ويختطف معارضون وينكل بهم في الصحراء ثم يتركون عرايا، فيما يهان أخرون كبار في العمر والقيمة، فيركلون ويصفعون ليلًا وهلم جرًا!
إنه التسلط خارج السجن وداخله.. الأول هدفه "إضرب المربوط يخاف السايب"، والثاني لسان حاله يقول "شرفت ياروح ماما.. استلقى وعدك بقا"!!
لماذا القسوة والصرامة؟ قبضتم عليه، فماالدافع لإهانته (لويس عوض نموذجا صارخًا) إن كنتم صادقين وتريدون معاقبة الشخص بالقانون! لماذا لاتتركوا للمحكمة حق معاقبة - أو تبرئة - المعتقلين والمقبوض عليهم بالقانون؟
بعد رفع "الحوار الوطني" للتوصيات بشأن الحبس الاحتياطي والعدالة الجنائية إلى السيد رئيس الجمهورية قرر سيادته مايلي: إحالة التوصيات للحكومة وسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل التوصيات المتوافق عليها، استجابةً لمناقشات الحوار الوطني التي تميزت بالتعدد والتخصص.
وصرح سيادته بأن "استجابتي لتوصيات الحوار الوطني نابعة من الرغبة الصادقة في تنفيذ أحكام الدستور المصري والاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان"
▪️ السيد الرئيس يؤكد أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، والحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطي كإجراء وقائي تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول لعقوبة، مع تفعيل تطبيق بدائل الحبس الاحتياطي المختلفة، وأهمية التعويض المادي والأدبي وجبر الضرر، لمن يتعرض لحبس احتياطي خاطئ.
والسؤال الآن أو الأسئلة: من الذي يعيق تنفيذ هذه التوصيات المُحَسِنة لأوضاع المحبوسين؟ .
في فيلم بالأبيض والأسود بعنوان" الرفاق الأعزاء" عن حقبة ما بعد ستالين.. وأثناء حكم خروشوف تحديدا عام ٦٢ يبني مخرج الفيلم اندريه كونشالوفسكي السيناريو الرئيسي على أحداث وقعت في مدينة نوفوتشر كاسك الروسية، حيث دعا العمال إلى إضراب عام كبير انطلقت شرارته في المدينة من مصنع للقاطرات، إحتجاجاً على شح المواد الغذائية وارتفاع الأسعار وضآلة المرتبات، واعتبر المسؤولون الكبار أن إذاعة تفاصيل الاحتجاجات إهانة وفضيحة للدولة الشيوعية، فأرعبوا الناس، وأمر خروشوف بنزول الدبابات والعربات المدرعة إلى المدينة، ولكنه لم يأمر بـ" الضرب في المليان" (جملة شهيرة كان اللواء زكي بدر (زكي بذاءات) يستخدمها ويهدد بها معارضيه إذا قرروا تحدي الدولة وممارسة أي مظاهر معارضة!). كانت النتيجة الكارثية هي تصرف أحد الكولونيلات وفقا للمانفيستو الخاص به وطبقًا لثقافته المعتادة، حيث أمر بإطلاق النار على السكان، فسقط ضحايا روت دماؤهم الشوارع والساحات، حتى أن العاملين لم يستطيعوا إزالتها بالمياه، فأمروا بتزفيتها لطمس الدماء المخضبة لها، ولأن الضحايا كثر، فقد اجبروا الناس على توقيع تعهدات بعدم الحديث عن الإضراب مطلقا حتى لايذع أمره في الخارج، وعقوبة مخالفة ذلك هي الإعدام! تم جمع الجثث بالعشرات ألقيت فوق بعضها في عربات جمع القمامة (٢٦ قتيلًا و٨٧ جريحا والأسوأ من هذا كان فتح مقابر أخرين موجودة في أطراف المدينة، فدفنوا فيها جثثا غير معروفة و"كفوا عالخبر ماجور"! (قدم الكاتب والناقد البارع العراقي الأصل هولندي الجنسية هادي ياسين عرضا ونقدًا جيدا لهذا الفيلم) فهل منعت تعهدات الرعب التي تعهد بها المواطنون السوفييت من ذيوع الجريمة ووصولها إلى الخارج؟ لقد تكفل "سولجنستين" - كاتب روسي معارض شهير - بالمهمة!
لم يضرب في المليان في مصر سوى الإنجليز الذين قتلوا الفلاحين في دنشواي، وذبح الصهاينة (بكل تاريخهم الأسود والمهبب في القتل) تلاميذ مدرسة بحر البقر وعمال مصانع أبو زعبل. ورغم مظاهرات الطلبة العارمة في ٦٨ ثم احتجاجات عام الحسم الهائلة ٧٢ وحتى أحداث الأمن المركزي العنيفة، لم يتم إصدار قرار بذلك. كان هناك دور مرعب للقناصة في ثورة يناير، لكن إجمالًا نحن أرحم من السوفييت الستاليين والنازيين الهتلريين، فقط يبقى أبانا الذي في المباحث مدعو لإفشاء الرحمة والتراحم في تعاملاته داخل الزنازين.. فيعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر.. فيحرص على تقديم الدواء والعلاج ومعرفة الأخبار وقراءة الكتب، ولا يُضَيِّق على الزيارات، ولا يقتاد المتهمين بفظاظة إلى جلسات المحاكمة، ولا يؤجلها مرات ومرات، ويهيء لهم المعيشة بكرامة.. ليشعر الناس بأنه "مفيش تار بايت بينه وبينهم أو بينه وبين المساجين". لا يأخذ أحدهم غرور القوة فيغضب وينهر ويُذِل، أو يفرض أي عقوبات خارج إطار القانون.. بل من الأساس يجب ألا يحدث ذلك. هل هذا كثير ؟! الله - الوطن - من وراء القصد.
--------------------------------------
بقلم: محمود الشربيني






